الآخرية والذات البديلة

يعطينا الدكتور عبدالله المطيري في كتابه "فلسفة الآخرية" الجميل إطلالة على فكر ليفيناس ومشروع ايتقي يتملص برشاقة من الأنطولوجيا الكلاسيكة الباحثة في المبادئ دون تكلم في التقاء مباشر وحاضر مع العالم في تكريس لمغالطة تاريخة للفلسفة العقلية والمثالية. تطرح فلسفة الآخرية مشروع وجودي في مواجهة المختلف دون احتواء في هوية أو قواسم مشتركة، التزام غير تناظري "ضيافة" الذي أنا هو امتداده في تجنب للاختزال.

ما هي الإيتيقا؟ يجاوب الدكتور عبدالله المطيري بجاوب سريع ودقيق هو أن لا تعامل مع العالم على أنه موضوع. العالم يحذر في ايقونة وجه الآخر الغير مشمول بأي تعريف موضوعي "بل تعبير مفتوح"، التقاء حميمي غير بارد بانطولوجيا المبادئ التي لم تقم إلا لإعلان تنويعات الحياة اللامحدودة. تتحول اللإيتيقيا إلى سياسة عندما يكون لدينا وجوه كثيرة ونتحول من الإعطاء بلا تناهي إلى الإعطاء بحساب.

العالم يحتاج إلى بيت لنسكن نحن فيه تعمله روح أنثوية ليست ذات بنية تعطينا قدرة على التبصر في العالم هذا البيت يعطينا قدرة على دراسة موضوعاتية ليس لفهم ما بل لاهتمام، قدرة تصنيفية لسمات ما نهتم به، ايتيقيا الاهتمام بعالم مقدس وعيش مقدس مليئ بالتهليل والنشوة يذكرني بهايدغر المتأخر عندما يقدم مربعه (الأرض، الآلهة، البشر، السماء) das geviert لننتقل من قوانين موسى المكتوبة أبجديا إلى "قوانين" هيراقليطس المكتوبة تجسديا، في تجاور وسكن يتقاطع فيه على نحو معقد الثقافي والطبيعي.

على شيء كان على مايرام حتى لنص مقلق جدا يتكلم عن الذات المعرفية مثل الديكارتية التي تملك فكرة على اللاتناهي، في حسي البراغماتي المناهض جدا للديكارتية لا أتخيل أن يجتمع اسم ديكارت مع استقبال اللامتناهي، بل حتى بهذا الحس أرى أن هذا الكلام هو في الحقيقة نكوص عن اخلاقيات الاختلاف، تمنيت لو استمرينا على مسار أننا كما تخلصنا من الأنطولوجيا الكلاسيكة علينا أيضا أن نتخلص معها من الإبستمولوجيا الكلاسكية التي تدعي تملك فكرة عن اللامتناهي.

ما الحل يا ترى؟ هنا لا بد من استدعاء رورتي واشكالية هل يعد من البراغماتيين أما لا؟ في مقالة اعتبرها عظيمة يحاول جيوفاني مادالينا "Rorty as a Legitimate Member of the Pragmatist Family" يجاوب عن هذا التساؤل، باختصار نعم. معرفيا كانت لدى البراغماتيين الكلاسيكيين نزعة تركيبية تركيبية ليست نقيضة ولا مبنية على التحليل، النزعة التركيبية ليست نفي لشيء تحليلي أبدا. المعرفة واللغة ليست إلا أدوات ويمكن تلخيص التراث البراغماتي في دافعه التركيبي بمقولة: فحص الهوية أثناء التغير. بجهاز يسميه مادالينا الإيماءة وهي: عمل له بداية ونهاية ويكرس معنى.

كما يقول بيرس فإن العقل الذي ينتهي بنتيجة أ=ب أكثر أصالة من العقل الذي ينتهي بنتيجة أ=أ والأخير مشتقة من السابقة، ويستشهد مادالينا بروبرت حنا على استحالة بناء التركيبي على التحليلي، إذا التركيبي ليس قسيم للتحليلي بل ذو بنية دقيقة ذات تفاعلات دقيقة، يرتسم هذا المنطق الأيقوني مثل المخططات الوجودية EG لدى بيرس، التي كان يفتخر بها ويراها أنها برهان على البراغماتية، التي تحدد كيف يتصاحب المعنى مع تطور كل آثار فكرة ما.

يحاول مادالينا أن يمد ويوسع هذه اللمعة البيرسة لتشمل كل عمل act يمكن أن يحمل معنى باستعمال نفس البنية الظاهراتية والسيميائية، الإيماءة هي عمل أو عادة مركبة لخبرة تواصل التغير لتجعلنا نفهم شيئا جديدا "لامتناهيا"، تكثف للمقولات والعلامات باستمرارية رياضية، يدخل فيها مادالينا الطقوس الخاصة والعامة، التجارب العلمية والعملية، حتى الفن الآدائي يعتبر مثال ممتاز على الإيماءة. ليكتمل المنعطف البراغماتي الذي تكلم عنه في كتابه "The Philosophy of Gesture: Completing Pragmatists' Incomplete Revolution".

هنا يأتي دور رورتي ورفضه الذهاب بعيدا لعمله أن أي تعريف للتركيب قد يفتح عليه باب ابستمولوجي يريد أغلاقه، موقف متشدد من الخبرة تجعل بعض البراغماتيين يشكك بانتماءه للفلسفتهم، يتوقف رورتي على رأي ديوي أن اللغة ولا تنفصل على صاحبها والتحذير من جعل هذه الأداة ملائمة لتحقيق غايتنا. يريد رورتي أن يعزل أي محاولة لعزل جوهر الحقيقة في هجوم شرس على الحدسية، إذا لا يختلف رورتي عن البراغماتيين الكلاسكيين لكن نقول أن الرغبة التركيبية لهم لم تكن عكس للنظرة التحليلية أو تطلب مثالي لرؤية ايزائية أي محاولة رؤية الجميع في الاتساق الأكبر.

من مخططات بيرس ومنطق ديوي ومحادثات ميد يشير البراغماتيين إلى أن المعرفة هو تكثف لمستويات مختلفة للظواهر والعلامات دون عزل لطبيعة الحقائق عن اختبارها، كما يقول وليام جيمس: الحقيقة شيء يحصل لفكرة ما. للأسف يتمسك رورتي للجانب اللغوي للخبرة رافضا للخبرة الغير لغوية، مفوتا على نفسه فرصة لابستمولوجيا بديل وعقلانية حديثة تهاجم العقلانية الكلاسيكية على رأسها ديكارت وكانط في تأسيسيتها البعدية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا أرسم أو (الإبستيم الجمالي)

قصيدة "النقاء" للشاعر الأمريكي بيلي كولينز

الطوبيقا السسيتامية